فضاء حر

العقل الطائفي بدأ يفكر وغدا سوف يقرر ويهاجم ويحكم

يمنات
اصدر هادي اوامره قبل ايام بتجنيد 20000 من ابناء الجنوب.
لا شيء غريب في هذا الخبر الا ان التجنيد اصبح يكتسي صبغة طائفية. فهل سيصبح المجندون الجدد اعضاء في الجيش اليمني ام انهم سيشكلون جيشا جنوبيا مستقلا. وهل سيكونون مسؤولين عن حفظ الامن في اليمن بأكملها ام في الجنوب فقط. وهل سيرفعون علم الجمهورية اليمنية ام علم الجنوب قبل عام 1990؟, وهل سيكون ولاؤهم للرئيس اليمني (ايا من كان هذا الرئيس) ام انهم مرتبطون بهادي وسيرحلون برحيله؟
قبلها بشهور كان الحوثيون يطالبون باستيعاب 20000 من انصارهم في اجهزة الامن والجيش. كانت هذه هي السابقة الاولى في التجنيد الطائفي. ولم يكن معروفا هل سيكون ولاء المجندين للدولة ام للحوثي؟ وهل سيؤدون النشيد الوطني ام الصرخة؟ وهل سيتلقون اوامرهم من وزير الدفاع ام من عبد الملك الحوثي؟ واذا افترضنا ان مواجهات عسكرية وقعت بين الحكومة والحوثيين ففي اي صف سيقفون؟
عندما اعتذر عبد الملك الحوثي للمؤتمريين عن ما حدث من هجوم علی “معسكر الصباحة (معتبرا ان “معسكر الصباحة” معسكر مؤتمري) لم يكن ذلك الاعتذار خطأ خطابيا. إنه تعبير مقصود عن بداية عصر “جيوش الطوائف”. واذا كان الحرس الجمهوري جيشا مؤتمريا فهل من العدل ان يستمر الصرف عليه من ميزانية الدولة؟ واليس الاولى ان تنتقل كشوفات افراده من وزارة الدفاع الى كشوف اعضاء المؤتمر؟
وصلنا الی نقطة يصبح فيها من المستحيل بناء جيش وطني. لان هذا الجيش سيكون بالضرورة ملكا لطائفة ومتعارضا مع مصالح بقية الطوائف..
قبلها كان جيش علي محسن بعيدا عن ان يكون جيشا رسميا واقرب الى الميليشيا المرتبطة بحزب الاصلاح. وانتهى ذلك الجيش برحيل القائد العسكري وحصار الجناح السياسي.
في العراق مثلا تبدو الحكومة عاجزة عن تعويض قرار حل الجيش العراقي. لا حل امام الحكومة العراقية الا التجنيد علی اساس طائفي (سنة – شيعة – أكراد). يصبح معيار التجنيد هو توازن الطوائف لا الكفاءة والانضباط وكل طائفة جاهزة للاحتجاج لو انتقص نصيبها الطائفي في الجيش.
إن فشل الدولة اليمنية في استيعاب كل الفئات الاجتماعية وضمها في إطار وطني جامع كان احد اهم اسباب “تطييف” الوصع اليمني. وكان اختلال ميزان القوی بعد 1994 لصالح الشمال سببا في صعود مشاعر الهوية الجنوبية وتحولها الی هوية طائفية سياسية ذات مصالح مستقلة عن المصلحة العامة. لم يعد الجنوب تعبيرا جغرافيا فقط لكنه اصبح تعبيرا سياسيا وثقافيا.
بحلول 2007 وفشل الدولة في مواجهة مطالب الجنوبيين ومعارك الحوثيين بدأ الصعود السريع للهويتين الطائفيتين الفرعيتين في اليمن: الحوثيون في شمال الشمال كهوية طائفية علی اساس ديني، والجنوبيون في الجنوب كهوية طائفية علی اساس مناطقي.
لكن الاعتراف الرسمي بالطائفية كأساس للسياسة اليمنية لم يتم الا في 2012 عبر نتائج الحوار التي اقرت مبدا المحاصصة الطائفية بين الشمال والجنوب بنسبة 50% لكل طرف. فالمبادرة الخليجية بحد ذاتها قامت علی اساس شبه طائفي عبر اقرار آلية “المحاصصة” كأساس لحل الخلافات السياسية. واذا كانت الأطراف الموقعة علی المبادرة وقعت كأحزاب سياسية لا كطوائف إلا ان الاحداث التي تلتها سرعت ب”تطييف” العمل السياسي والقوی السياسية.
واذا كانت “وثيقة مؤتمر الحوار” والدستور النابع منها هي التي أسست الجنوب كطائفة بشكل رسمي، فان “اتفاق السلم والشراكة” قد أسس الحوثيين طائفة رسمية علی اساس ديني – سلالي.
المحاصصة هي جوهر الطائفية السياسية. وإذا كانت المحاصصة الطائفية قد اعطت الجنوب 50% ، فان “الشراكة” الطائفية مع الحوثيين بدأت تطالب بما لا يقل عن 30% من النصف المتبقي أو ربما النصف المتبقي كاملا.
لكن المؤشرات الطائفية لن تقود الی تقسيم ثنائي لليمن الی (شمال وجنوب) كما يظن البعض، لكنه سيقود الی اعادة التقسيم الثلاثي لليمن في عصر الصراع التركي – البريطاني الی (شمال زيدي – وسط سني – وجنوب).
فبعد سقوط صنعاء في 21 سبتمبر وعبور الحوثيين للخط “المذهبي” عبر اجتياح محافظات الحديدة واب والبيضاء بدا خط طائفي جديد بتبلور في مواجهة التوسعات العسكرية لخصم عسكري لكنه في نفس الوقت طائفي أيضا.
وقد ساعدت المواجهات بين الحوثيين والقاعدة التي انضم لها بعض رجال القبائل إلی اعادة تعريف الصراع كمواجهة سنية شيعية. هذا الشرخ الطائفي المذهبي في الشمال يكاد يعيد تداعيات التقسيم القديم لليمن الشمالي الی (اليمن الأعلى) و (اليمن الأسفل) بكل الأبعاد الطائفية والتاريخية لهذا التقسيم.
الطائفية لا توجد لكنها تصنع.
و كل من يمتلك جيشا صغيرا يصبح ملكا من ملوك الطوائف. هذا هو حال صالح والحوثي وهادي.
العقل الطائفي بدأ يفكر وغدا سوف يقرر ويهاجم ويحكم.
من حائط الكاتب على الفيس بوك

زر الذهاب إلى الأعلى